يحكى أنه كان هناك علمًا من أعلام الصالحين ، وصفه أهل العلم ، والعلماء ، والصالحين ، ممن عاصرون بأن قالوا عنه ، أنه جائع ، عالي ، رفيع ، فقيه ، كما كان ذا ثقة ، ومأمونًا ، ناسكًا ، عابدًا ، هذا بالإضافة إلى أنه كان ذا شأن عظيم في العلم ، يملك قدرًا كبيرًا من الفصاحة ، إلى جانب الوسامة ، والجمال .

وقد قال أحد الصحابة عنه : ” أنه لو كان أدرك صحابة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، لاحتاجوا إلى أخذ رأيه لا محالة ، فقد كانت أمه ، رحمها الله ، خيرة مولاة لزوج النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وهي أم سلمة ، أما عن مولده ، فقد كان قبل نهاية خلافة أمير المؤمنين ، سيدنا عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، وأرضاه ، بعامين اثنين فقط .

كانت أمه غالبًا ما تخرج إلى السوق ، مما يجعلها كانت تدعه لدى أم سلمة ، رضي الله عنها ، وأرضاها ، وكان كلما جاع ، تسرع أم سلمة ، وتقوم بتلقيمه أم من ثديها ، حتى تعلله به ، حتى ترجع إليه أمه ، ويشاء الله سبحانه وتعالى ، أن تفوق رحمته كل شيء ، ويدر الثدي لبنًا ، فإذ بالطفل يقوم بالرضاعة منه ، إلى أن يرتوي .

فإذا به لا يرتوي لبنًا فقط ، وإنما يرتوي من الحكمة ، والبلاغة ، والفصاحة ، والتقى ، قسطًا كبيرًا ، وبمجرد أن شب صاحبنا ذلك ، أضحت ينابيع الحكمة ، تنبع ، وتتلألأ من لسانه ، وقلبه ، فإذا به يمتاز بجمال أسلوبه ، وفصاحة لسانه ، فضلًا عن رصانة عباراته ، والتي كانت تتحدر من كلامه .

فمن هو ذلك الشخص يا ترى ؟ لا عجب فإنه أبو سعيد البصري ( الحسن بن أبي الحسن بن يسار ) ، وقد اشتهر بين الناس في زمانه بالحسن البصري ، وهو الإمام الجليل ، وشيخ الإسلام الفاضل ، وقد نشأ إمامنا الجليل ، في المدينة النبوية المنورة ، وقد حفظ القرآن الكريم في خلافة سيدنا عثمان بن عفان ، وكثيرًا ما كانت أمه ، في أثناء صغره ، تقوم بإخراجه إلى الصحابة ، فكانوا يدعون إليه كثيرًا .

وقد كان من جملة ما دعاه له ، سيدنا عمر بن الخطاب ، أنه قد قال له ، في إحدى المرات : ” اللهم إني أسألك أن تفقهه في الدين ، وأن تحببه كثيرًا إلى الناس ” ، وبالفعل استجاب الله إلى دعاء سيدنا عمر بن الخطاب ، وقد أصبح الحسن البصري فيما بعد ، فقيهًا جليلًا ، وقد من الله عليه بالفهم الثابت ، حتى يتمكن من فهم كتاب الله ، عز وجل .

كما أنه كان محبوبًا بشدة إلى الناس ، فيذكر أنه قد لازم أبا هريرة ، رضي الله عنه ، وأرضاه ، وكذلك أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، وأرضاه ، وقد تم حفظ الأحاديث النبوية الشريفة عنهم ، حيث كان كلما سمع حديثًا جديدًا ، لم يسمعه من قبل ، عن الرسول الكريم ، صلى الله عليه وسلم ، هم بحفظه ، وازداد بفضل الله إيمانًا ثابتًا ، وخوفًا ، وخشوعًا من الله ، جل علاه .

حتى أصبح الحسن البصري واحدًا من أعظم نساك التابعين ، وأضحى من أئمتهم ، ووعاظهم ، ودعاتهم الفريدين ، وصار الناس كثيرًا ما يرجعون إليه في العديد من المشكلات ، والكثير من المسائل ، وكان أهلًا للثقة بين الناس جميعًا ، واتسم بزهده ، وورعه الشديد بين الناس جميعًا ، وحتى بينه ، وبين نفسه ، فلم يرغب في الغنى يومًا ما ، وإنما كرس حياته كلها ، في علوم القرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة ، باعدًا كل البعد ، عن مظاهر الترف ، والأبهة .

By Lars