نبعة الماء التي تسقى الرعيان والغنم والتي تسقي جميع الحيوانات والمزروعات في القرية ، نبعة الماء التي لا أحلى ولا أصفى من ماءها ، نبعة الماء التي يأتي إليها الزوار من شتى الأماكن لتمتع بمنظرها وتذوق ماءها العذب ، فنبعة الماء تلك وجدها الناس في يوم من الأيام قبل أن تجف فتجمع الناس حولها في حزن وهم لا يدرون ماذا يفعلون .

وبكى الكثير منهم ثم سألوا ورجوا الله تعالى أن يعيد لهم الماء الذين لا يستطيعون العيش بدونه ، ومرت الأيام والماء لم يعد حتى بدأ الناس يشكون من العطش وماتت حيوانات كثيرة ، ثم قرر أهل القرية أن يتركوها إلى قرية أخرى يجدون فيها الماء لهم ولدوابهم ولكن الحاجة فاطمة وحدها رفضت أن تهاجر ، وكان بيتها بعيدًا جدًا عن بيوت القرية ، وقريب جدًا من النبعة ، وقالت كيف تريدون أن أترك جارتي النبعة التي عشت معها منذ زمن .

ولم أعرف جارة ولا صديقة لي غيرها ، ساعدتنى في كل شئون حياتي والآن تريدوني أن أتركها ، بل سأبقى وأساعدها إلى أن يرجع ماءها وتعود كما كانت صديقة كريمة مخلصة وفية لكل الناس ، فسخر منها الناس ولم يلتفتوا لكلامها ، وتركوها مع بعض الأطفال الذين رفضوا الهجرة مع أبائهم ، وصمموا على البقاء مع جدتهم ليساعدوا النبعة التي كانت صديقة لهم أيضًا تلاعبهم وتسليهم حتى يأتون إليها وبعضهم قالوا أنها كانت تحكي لهم الحكايات القديمة ، حين يجلسون حولها بعد أن غابت الشمس .

وخلت القرية من سكانها وجلست الحاجة فاطمة قرب النبعة ، ومن حولها الأطفال يفكرون بطريقة يساعدون فيها صديقتهم النبعة ، وظلوا كذلك حتى غفوا قرب النبعة وأخذهم النوم ، وأثناء ذلك جاءهم شيخ النبعة ، وأخبرهم بسبب الجفاف ، فعرفوا أنها كانت قد مرضت وضعفت وعانت معاناة كبيرة قبل أن تجف نهائيًا .

من تراكم الأشياء الغريبة التي يلقي بها الناس عليها ، وما يبقون حولها من أوساخ وبقايا المأكولات والمشروبات ، لو كانت تستطيع أن تحدثهم لو كانوا يفهون لغتها ، لرجتهم ألا يفعلون ذلك ، ولكنهم لم يفهموا واستمروا في إيذائها ، واستمر المرض في إضعافها .

قال الشيخ ذلك ثم مسح دمعة خده وغادر في هدوء ، أفاق الأولاد والحاجة فاطمة في تلك اللحظة ، ونظروا جميعًا إلى الجهة التي مشا فيها الشيخ ، فلم يشاهدوا شيئًا ولكنهم قاموا على الفور ، وبدؤوا بتنظيف المكان وإزالة جميع الأشياء الضارة التي سببت الأذى لصديقتهم ثم دعتهم للاستراحة وتناول الطعام ، على أن يعدوا في اليوم التالي لمتابعة العمل .

ولمح الأولاد في اليوم التالي أولى قطرات الماء لنبعة مع أول ضوء للشمس ، والتي بدأت تستعيد عافيتها وصفقوا وصاحوا معًا ، وهنئت صديقتها النبعة على الرجوع وعلى سلامتها ..

By Lars