كان إميل زولا واحد من أشهر الكتاب الفرنسيين في القرن التاسع عشر، وكان رائد من رواد المدرسة الطبيعية في الأدب وكان من أهم رواد تلك المدرسة حيث أنه ساهم بشكل كبير في تطوير المسرحية الطبيعية.
وقد اشتهر الكاتب إميل زولا بسلسة الروايات الشهيرة بالRougon Macquart، التي تتكون من 20 جزء تم نشرها على مدار سنوات عمله الأدبي وتروى السلسلة بأكملها قصة خمسة أجيال من عائلة عاشت خلال زمن الإمبراطورية الفرنسية الثانية.
ويتتبع زولا خلال كل السلسة الأوضاع السياسية والاجتماعية والفساد الأخلاقي الذي ساد في فرنسا خلال تلك الحقبة من خلال الأحداث التي مرت بها عائلة واحدة تنقسم لفرعين وهما الشرعيين أو المحترمين وغير الشرعيين أو سيء السمعة.
وبالرغم من أن سلسلة الشرعيين وغير الشرعيين شكلت معظم أعمال زولا إلا أن له أعمال أدبية أخرى شهيرة منها الطوفان وأعمال أخرى، وقد اشتهر زولا أيضًا بمواقفه السياسية والتي يعتقد أنها كانت سببًا في وفاته.
وكان أشهر مواقف زولا السياسية التي تعرضته لكثير من المتاعب هو دعمه لضابط فرنسي يهودي يسمى دريفوس.
وتبدأ قضية دريفوس عندما علم قسم مكافحة التجسس بالجيش الفرنسي أن المعلومات المتعلقة بأجزاء المدفعية الجديدة قد تم تسريبها للألمان، وهذا يؤكد وجود جاسوس داخل صفوف الجيش الفرنسي، وتم القبض على الضابط درايفوس وهو ضابط يهودي.
أقيمت محاكمة سرية داخل الجيش لدرايفوس وأدين بتهمة الخيانة، وتم تجريده من رتبته، وتم الحكم عليه بالسجن المؤبد في سجن جزيرة ديفيليز في غيانا الفرنسية الرهيب.
وقد أقسم دريفوس بأعلى صوته وهم يقوموا بترحيله أنه بريء، وبعد مرور عام على المحاكمة تم تغيير رئيس المخابرات العسكرية الفرنسية، ليتولى المنصب جورج بيكوارت والذي أخبر رؤسائه أنه وجد أدلة تشير إلى أن الخائن الحقيقي هو الرائد فرديناند والسين إسترهازي.
لكن نتيجة لذلك نقل بيكوارت إلى قيادة فوج متمركز في تونس، ومع ذلك تسربت أخبار دريفوس للصحافة وتم اتهام قيادات الجيش الفرنسي بمعاداة السامية، وأصبح لدريفوس أنصار وحملات تدافع عنه.
وكان من بين أشهر من دافعوا عنه هو أميل زولا، الذي نشر مقالة في الصفحة الأولى من جريدة L’Aurore اليومية التي تصدر في باريس، في صورة رسالة واتهم فيها قيادات عليا في الجيش الفرنسي بمعاداة السامية وعرقلة سير العدالة.
وبسبب تلك الرسالة تمت محاكمة زولا بتهمة التشهير، وأدين وحكم عليه بالسجن وتم تجريده من وسام جوقة الشرف.
بعدما قدم زولا شكوى تم إلغاء الحم الأول، ومع ذلك تمت محاكمته مرة أخرى وأدين في المحاكمة الثانية، لكنه رحل إلى إنجلترا قبل أن يتم القبض عليه.
وبعد عام تمت محاكمة دريفوس مرة أخرى بسبب الضغوط، لكن المحكمة أدانته مرة أخرى، لكنه قدم طلب آخر لإعادة المحاكمة، وتلك المرة عرضت الحكومة عليه ان يحصل على العفو، وهذا معناه أنه سيظل مدان في التهمة الموجهة إليه.
وافق دريفوس على العرض وصدر عفو عام ضده وضد أي تهم أخرى ارتبطت بقضيته وكان زولا من بين من حصلوا على العفو، فعاد إلى باريس مرة أخرى عام 1899م بعد عام صعب قضاه في لندن.
وخلال السنوات التي تلت عودته وجهت إليه تهديدات كثيرة بالقتل بسبب موقفه السياسي، وفي يوم 28 من سبتمبر عاد إميل زولا وزوجته ألكسندرين إلى منزلهما في شارع دي بروكسيل في باريس بعد قضاء فترة ثلاثة شهور تقريبًا بعيدًا عنه، وكان الجو رطبًا وباردًا في تلك الليلة، فقام زولا بإشعال المدفأة كما اعتاد أن يفعل، وأغلق النافذة وباب الغرفة ونام الزوجان ، كما كانوا يفعلوا دائمًا.
وفي صباح اليوم التالي في الساعة التاسعة والنصف صباحًا كان هناك بعض العمال قد وصلوا للمنزل لإجراء بعض التصليحات في غرفة نوم زولا، وبعد أن قرع الخدم الباب لفترة طويلة لم يروا أي استجابة أو يسمعوا أي صوت بالغرفة مما جعلهم يفتحوا الباب.
وعند دخولهم عثر الخدم على زولا ملقى نصفه على السرير ونصفه الآخر على الأرض، وكانت الغرفة تمتلئ برائحة غاز الكربونيك، بينما كانت زوجته ملقاة على السرير ولا تظهر عليها أي علامات الحياة، فقام الخدم الخائفون بفتح النوافذ وطلبوا النجدة.
سرعان ما وصل الدكتور لينورمان والدكتور مورين، تبعهما رجلين طبيين آخرين، وحاولوا استخدام كل الوسائل الممكنة لاستعادة النبض لدى زولا، وقد نجحت جهودهم مع مدام زولا، لكنهم لم يتمكنوا من إسعافه، وأعلن عن وفاة إميل زولا عن عمر يناهز 62 عام.
وقد استنتج المحققون أن زولا عندما شم رائحة الغاز، حاول التوجه للنافذة لفتحها لكنه انهار ولم يتمكن من السير، بسبب استنشاقه للغاز.
وقد حامت الشبهات حول معارضي زولا، أيضًا كان لزولا عشيقة تسمى جين روزيرو كانت تصغره ب 27 عامًا وقد أنجب منها طفلين سرًا، وقد غضبت زوجته في البداية عند معرفتها بعلاقته، لكنها تقبلت الوضع بصعوبة بعد ذلك لأنها لم تنجب لزولا أطفال، وكانت تلك العشيقة من بين من حامت الشكوك حولهم.
وقد بحثت الشرطة في أنحاء الغرفة، ولم تجد أي مصدر للغاز، لذلك فإن الشرطة حاولت إشعال المدفأة وتركت مجموعة من الخنازير داخل الغرفة وأغلقتها لترى تأثير المدفأة عليهم، لكن الخنازير نجت ولم تصاب بأذى، وقامت الشرطة أيضًا بتفكيك المدفأة دون أن يعثروا على شيء.
وبالرغم من ذلك كتبوا في تقاريرهم أن هذا الغاز قد تسرب من المدفأة التي لم يتم تنظيفها وتراكم السخام داخلها، ونتج عنه تسرب الغاز وقد استنشقه زولا وزوجته طوال الليل.
رفض الطبيب الشرعي الموافقة على هذا التقرير وفي النهاية أعلن أن وفاة زولا كانت نتيجة أسباب طبيعية.
وبعد أن تعافت زوجة زولا أرسلت لعشيقة زولا وطفليها ليزورا منزل زولا لأول مرة ويحضروا جنازته التي حضرها أكثر من 50 ألف شخص، وقد حضر الجنازة أيضًا مسئولين حكوميين ووفود من عمال المناجم، وقد حضر دريفوس أيضًا وألقى كلمة مدح فيها زولا ووصفه بأنه كان لحظة في تاريخ الضمير البشري.
دفن زولا في مقبرة مونمارت، وفي عام 1908م تم نقل رفاته إلى البانثيون أو ضريح عظماء فرنسا، وحضرت زوجته وعشيقته والطفلين مراسم إعادة الدفن التي حضرها الرئيس وأيضًا دريفوس، وخلال المراسم أطلق صحفي من الحاضرين يسمى لويس جريجوري رصاصتين من مسدسه تجاه دريفوس الذي أصيب بجرح سطحي في ذراعه، وتدخلت الشرطة لإبعاده وتم دفن زولا بجوار فيكتور هوجو.
وبعد مرور أكثر من خمسين عامًا على وفاته نشرت الصحف الفرنسية تقريرًا تشير فيه إلى أن زولا قتل على يد مقاول كان يكرهه بسبب دعمه لقضية دريفوس، وكان هذا المقاول يعمل في أحد المنازل المجاورة لمنزل زولا، وأنه تسلل إلى منزل زولا وأغلق فتحة المدفأة، وبعد وفاة زولا تسلل مرة أخرى وقام بفتحها مرة أخرى، وقد اعترف المقاول بجريمته وهو على فراش الموت عام 1927م، ومع ذلك فعند نشر تلك الاعترافات كان الآوان قد فات للتحقق من صحتها.