كان ألبرت دورر أو باألمانية ألبرخت دورر فنانًا ألمانيا عاش في عصر النهضة، ويعتبر أحد أعظم الرسامين والنحاتين في التاريخ، وقد اشتهر دورر بلوحاته الزيتية وقطعه الموجودة على المذابح، فضلًا عن أطروحاته العديدة حول نظرية الفن، وقد مزج دورر في أسلوبه بين أسلوب الفن الإيطالي وفن شمال أوروبا وعرف أسلوبه باسم الواقعية الطبيعية، وقد ترك أكثر من 2000 رسمة.

وعلى عكس فناني عصر النهضة الآخرين، فإن تفاصل حياة دورر الشخصية ليست معروفة كثيرًا، وقد عرفت بعض المعلومات عنه من خلال مذكراته الشخصية حيث اعتاد على الاحتفاظ بمذكرات ودفتر ملاحظات مفصل عن أعماله، كما أنه كان يهتم بتوقيع أعمال بالاسم والتاريخ.

ولد دورر في نورمبرج في 21 مايو 1471م، وكان يقضي معظم حياته المهنية هناك بالرغم من أنه كان يسافر كثيرًا لأماكن أخرى، وكان والده يعمل صائغًا وكان قد هاجر إلى ألمانيا من المجر، وقد رسم دور صورة لوالده في عام 1490م بالفحم العادي وهي لا تزال موجودة حتى اليوم.

تعلم دورر الشاب الرسم في ورشة والده، فكان يعمل في نقش القطع الذهبية، وقد درس في الفترة من 1486 وحتى 1489م، على يد مايكل وولجموت الفنان الذي كان يدير وشة عمل كبيرة للرسم والنحت في نورمبرج، انتقل دورر إلى بازل عام 1492م، وظل هناك لمدة عامين ظل خلالهما يصنع رسوم توضيحية خشبية للكتب المطبوعة، وأحد الأعمال الشهيرة التي رسمها في تلك الفترة هي سفينة الحمقى عام 1494م ،وهي عمل للكاتب الساخر سيباستيان برانت.

وخلال تلك الفترة أيضًا زار هولندا وستراسبورج، ثم عاد لمدينته وتزوج أغنيس فاي وهي ابنة تاجر في عام 1494م.

ثم أنشأ ورشة عمل للماجستير الخاص به وعمل مع عدد كبير من المساعدين والمتدربين في تلك المتدربين.

في عام 149م زار دورر إيطاليا لأول مرة في حياته، وقضى بعض الوقت في البندقية، وكان مهتمًا بمحيطه طوال الوقت، وقام بعمل الرسومات المائية لجبال الألب ثناء عبوره إلى جنوب أوروبا.

وقد درس دورر تأثير الفن الكلاسيكي على الفن الإيطالي المعاصر، وكان مهتمًا بشكل كبير بالبحث عن النسب الدقيقة فيما يتعلق بجسم الإنسان والمنظور في المشاهد المرسومة أو المنحوتة.

ومثل رسامي عصر النهضة الآخرين أمثال ليوناردو دافنشي وبييرو ديلا فرانشيسكا، فقد كان دورر مقتنعًا بأن نحاتي العصور القديمة قد اكتشفوا صيغ رياضية سرية لإعادة إنتاج تشريح الإنسان بدقة في الأعمال الفنية.

كما كان مقتنعًا أن الرياضيات والهندسة يمكن تطبيقها في الفن لضمان الحصول تحقيق منظور واقعي في اللوحات والمنحوتات، وقد قضى دورر بقية حياته في البحث عن هذه الاحتمالات ودراسة الفن الإيطالي، إما من خلال مشاهدته بشكل مباشر أو قرائة مطبوعات له، وقد دون ملاحظات وفيرة في يومياته عن طرق تجريب الأرقام في رسوماته وأعماله.

وبالعودة إلى نورمبرج واصل دورر العمل في مطبوعاته الخشبية والتي من أشهرها سلسلة نهاية العالم التي قام برسمها في عام 1498م وتتكون من 15 مطبوعة، وفي عام 1504م رسم رسمته الشهيرة “عشق المجوس” وهي موجودة الآن بمعرض أوفيزي بفلورنسا، وفي نفس العام أنتج واحدة من أشهر مطبوعاته وهي “أدم وحواء”.

وقد تم عمل مطبوعة أدم وحواء على لوحة معدنية، مما جعلها دقيقة جدًا في عملها، لكن دورر استمر أيضًا في عمل المطبوعات الخشبية، بحيث يتمكن من إنجاز نسخ بأعداد أكبر بكثير، لأن اللوحات المعدنية كانت تميل للتآكل بشكل أسرع، ولم يكن يستطيع عمل سوى حوالي 50 نسخة مطبوعة من الرسومات المنقوشة على المعدن قبل أن يتآكل القالب.

وقد استأجر دورر وكيلصا لبيع مطبوعاته، وقد نجح نجاحًا كبيرًا في بيعها بمساعدة أنطون كوبرجر صاحب أكبر مطبعة في ألمانيا، كما وظف أيضًا والدته وأخته لبيع مطبوعاته، وعلى الرغم من الإقبال الكبير على شراء مطبوعات دورر إلا أنه لم يهمل أبدًا الرسم، فاستمر في إجراء دراسات بالألوان المائية للنباتات والحيوانات أينما ذهب، وقد قدم مجموعة رائعة من رسومات العشب والأرانب البرية والحشرات بتفاصيل دقيقة نابضة بالحياة.

زار دورر إيطاليا مرة أخرى في عام 1505م، وقضى هناك عامين في زيارة البندقية وبولونيا، والتقي بجيوفاني بيليني وأعجب كل منهما بالأخر، وقد تأثر بليني جدًا بهوس دورر بالتفاصيل الدقيقة جدًا في أعماله، بينما قال دورر عن بيليني أن الفنان الإيطالي كان كبير جدًا في السن، لكنه كان لايزال الأفضل في الرسم.

وكان دورر أيضًا مهتمًا بجمع الرسومات لفنانين أخرين، وقد كان يعمل عليها لإنشاء أعمال فنية جديدة تمامًا، مثال على ذلك مطبوعة عيد باخوس والتي اشتقها من نقش معركة آلهة البحر للفنان بادوان أندريا مانتيجنا، فلطالما كان دورر معجبًابمانتيجنا حيث وصلت مطبوعاته إلى دورر في ألمانيا قبل وقت طويل من سفره إلى إيطاليا، وكان دورر معجبًا أيضًا برافائيل وحتى أنه تبادل معه بعض الأعمال في عام 1515م.

بعد العودة مرة أخرى إلى نورمبرج اشترى دورر منزلًا رائعًا مكون من أربعة طوابق عام 1507م، وهذا المنزل تم تحويله اليوم إلى متحف مخصص لدورر.

بعد أن اكتسب دورر سمعة كبيرة في عصره كلفه الإمبراطور الروماني ماكسيميليان الأول بعدة أعمال مختلفة منها لوحتان بورتريه.

وفي تلك الفترة كان دورر مازال ينتج قوالب الطباعة الخشبية كما صنع مجموعة من أهم مطبوعاته في عام 1514م والتي تضمنت المطبوعة الشهيرة ملنخوليا 1، والتي تعبر أحد أفضل نقوشه النحاسية، كما أنه ابتكر قوس النصر للإمبراطور ماكسميليان.

وقد عمل دورر مع فريق من النقاشين لإنتاج قوس النصر المركب للإمبراطور في حوالي عام 1515م، وظل قوس النصر رمزًا للقوة والنجاح بالنسبة للإمبراطور مثل الأباطرة الرومان القدماء.

أشرف دورر على المطبوعة الضخمة لقوس النصر والتي تكونت من 192 قطعة منفصلة، وقد كانت مساحة العمل النهائية تبلغ حوالي 7 أمتار مربعة، وتم نسخها 700 مرة، وفي عام 1518م تم إرسال تلك النسخ لجميع محاكم أوروبا ومجالس المدن الكبرى، وكان القوس بشكل شعار كبير للإمبراطور وشجرة عائلته وصور عائلته وحلقات مختلفة من أحداث عصر، وكانت تلك رسالة قوية لأحقية ماكسميليان في الحكم.

وعندما أصبح تشارلز الخامس إمبراطورًا رومانيًا في عام 1520م خدم دورر في بلاطه في هولندا، لكنه عاد مرة أخرى إلى نورمبرج بعد عام واحد، لكنه سافر مرة أخرى في عام 1521م إلى جينت وبروج وأنتويرب وكولونيا وخلال تلك الرحلة قام بشراء مواد نادرة مثل صبغة اللازورد التي تأتي فقط من أفغانستان و22 فرشاة عالية الجودة، وزار العديد من الكنائس، وقام بعمل رسومات كثيرة في كراسة رسم مازالت موجودة حتى الآن، وقد ملأها بالمناظر التي رآها طوال تلك الرحلة، كما وزع عدد من مطبوعاته خلال تلك الرحلة أيضًا.

وبداية من حوالي عام 1518م بدأ دورر بالاهتمام بكتابات الإصلاحي البروتستانتي مارتن لوثر والذي التقى به شخصيًا في أوغسبورج، وظهر تأثره به في لوحة الرسل الأربعة التي رسمها عام 1526م، وفي سنواته الأخيرة اهتم بكتابة وتدوين أفكاره حول بعض الأمور الفنية، فقدم في عام 1525م أطروحة حول الهندسة المرتبطة بكلًا من الفن والهندسة المعمارية وناقش فيها أهمية النسب الرياضية في الفن، واحتوت على العديد من الملاحظات العلمية مثل كيفية رسم الأشكال ثلاثية الأبعاد.

توفي دورر في 6 أبريل 1528 بنورمبرج ودفن هناك، وقد احتفلت ألمانيا وإيطاليا به كواحد من أعظم فناني عصر النهضة، وعد وفاته انتشرت مطبوعاته أكثر واكتسب سمعة أكبر كواحد من أفضل الرسامين في عصر النهضة.

By Lars