تتصادف تلك الفترة مع الذكرى المئوية لحروب بونابرت ، والذي خلّد التاريخ اسمه كأحد أبرز القادة العسكريين في أوروبا ، والذي ما زالت تذخر حروبه المتعددة بالكثير من الأحداث والتفاصيل ، والدروس المهمة على الصعيدين السياسي والدبلوماسي .
ولم يكن نابليون بونابرت يمتلك الكثير من صفات القادة العسكريين ، ولكنه كان الأكثر ذكاءً وجهدًا بين العسكريين الأوروبيين ، وقد شهدت معاركه وحروبه العديد من المواقف الشخصية والسياسية ، وعلى الرغم من تلك الصفات الحسنة التي اتصف بها بونابرت إلا أن غروره وبحثه الدائم عن امتلاك أوروبا جعله يسقط سريعًا ، وبنفس السرعة نظرًا لبحثه حول مجده الخاص .
أسرى حرب نظيفة :
كانت الصورة التي تراود كارل ماك الجنرال النمساوي المعروف آنذاك ، تجاه نابليون بونابرت هو أنه مثالاً للجندي غير المنضبط ، نظرًا لتهديداته الدائمة بهزيمة الأوضاع الأوروبية القائمة ، ومحاولاته تشجيع الثورات في كافة أنحاء أوروبا .
وبحلول نهاية سبتمبر من عام 1805م ، شعر ماك بأن هناك شيء مريب يتم تدبيره من خلف ظهره ، فقد كان ماك قد وضع خطة نيابة عن النمسا وبالاشتراك مع كل من وانجلترا وروسيا ، لدحر العدو الفرنسي ، وكانت تلك الخطة قد أشعرته بالريبة نظرًا للغموض المحيط بتحركات نابليون وخططه ؛ فقد كان من المفترض أن يواجه الجنرال ماك جيش نابليون الفرنسي في منطقة تدعى ألما ، تقع غرب بفاريا ، وذلك بصحبة سبعون ألف جنديًا نمساويًا .
بالإضافة إلى عدد خمس وسبعون ألف جنديًا روسيًا ، في اتحاد قوي ومترابط بين الجيشين ، مما يمثّل ضربة قوية للجيش الفرنسي بقيادة نابليون الذي لا يبلغ جيشه نصف تلك القوة العاتية ، وعلى الرغم من تلك الخطة المحكمة التي رسمها الجنرال ماك مع الجانبين الانجليزي والروسي ، إلا أنه فوجئ باستطلاعات غير مؤكده من جانب جيشه بأن نابليون قد تحرك بجيشه من غرب منطقة ألما ، متجهًا إلى إلى النمسا من قلب الغابة السوداء .
وكان نابليون قد أرسل في نفس الوقت جيشًا آخر متجهًا نحو شمال النمسا ، بما يمثّل تطويقًا لجيش ماك النمساوي ، وبالتالي يمكن لنابليون أن يجبر ماك هكذا على سحب قواته والتراجع نحو ألما ، والابتعاد عن الغابة السوداء ، من أجل مواجهة نابليون بجيشه فقط .
مكائد نابليون :
بحلول شهر أكتوبر من نفس العام ، تبين أمام الجنرال ماك ما كان يحيكه نابليون له ، حيث تبين الفريق الراصد لمنطقة ، بأن جيش نابليون قد أحاط بشرق ألما من ناحية نهر الدانوب ، وبذلك قام الجيش الفرنسي بقطع الطريق على ماك في العودة خارج المنطقة والهرب ، وقطع أيضًا الطريق على القوات الروسية التي كانت في الطريق نحو الجيش النمساوي للاتحاد معه ، بالإضافة إلى ورود تقارير بشأن جيشًا فرنسيًا آخر يحتشد بالجنوب .
هكذا تم تطويق جيش الجنرال ماك ، الذي طار لبه في هذا الأمر ، فكيف لجيش نابليون أن يتحرك بمثل هذه السرعة وهم قرابة السبعون ألف جنديًا ، ولكنه علم كيف حدث ذلك الأمر عقب أن تراجع الجيش الروسي الذي كان يجب أن يحالفه ، واستسلام أكثر من ستين ألف جنديًا من جيشه بين أيدي الجيش الفرنسي ، وكان هذا الانتصار الساحق للجانب الفرنسي أعظم ما حققه نابليون بونابرت في تاريخه العسكري ، حيث عُد هذا الانتصار أحد أعظم الانتصارات غير الدموية عبر التاريخ.
وعلى العكس من القادة العسكريين ، لم يتجه نابليون للغزو أو الاحتلال أو الحروب بدءً من نفسه ، وإنما كانت كافة تحركاته على مدار سنوات الحروب التي قام بشنها ، كانت في سبيل حماية فرنسا والثورة الفرنسية ، من غارات الأعداء الروسيين والبروسيين ، والنمسا وبريطانيا كذلك .
ولكن أبرز أخطاء نابليون كانت تحديدًا في كيفية إدارته لكافة تحركاته ، حيث كان يهتم بالجوانب الدقيقة لبعض الأمور ، والتي كانت قد تصل إلى حد التوافه ، فقد كان يبدي آرائه في القضايا الدينية والسياسية ، ويعطي آراء سطحية ، نجحت في جني بعض المكاسب مثل القوانين النابليونية التي أصبحت أساسًا للقوانين الأوروبية حتى الآن ، وكانت جولاته للحفاظ على فرنسا والفرنسيين هي المحرك الأساسي لتحركاته.