تعددت المواقف الرائعة التي جمعت بين رسول الله صلّ الله عليه وسلم والصحابة عليهم رضوان الله ، حيث أن النبي كان رفيقًا رحيمًا حنونًا كريمًا ، وقد ورد العديد من القصص التي توضح كيف كان الرسول الكريم على خُلق عظيم ، ومن إحدى مواقفه النبيلة موقفه مع الصحابي الجليل جابر بن عبدالله .
بعير جابر بن عبدالله :
كان جابر بن عبدالله يحب التقرب من رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، فكان يخرج معه في الغزوات ضد الكفار ، كما شارك معه في مسيرته إلى نجد من أجل محاربة الكفار ، وقد خرج جابر بن عبدالله مع النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ولم يكن معه ما يركبه سوى جمله المريض ؛ حيث أن ذلك الجمل كان ضعيفًا وهزيلًا ، ولم يكن يستطيع أن يصل بجمله إلى رفاقه الذين سبقوه .
تخلفّ جابر بن عبدالله عن المسيرة نتيبجة لبطء جمله الهزيل ، ولكن الرسول صلّ الله عليه وسلم قد لحق به ولاحظ تأخره عن باقي أصحابه ، فقام المصطفي بسؤاله عن سبب هذا التأخير ، فأجابه جابر قائلًا :”يا رسول الله ؛ أبطأني جملي هذا”، فقال له الرسول صلّ الله عليه وسلم :”أنخه” ، فأناخ جابر ذلك الجمل المريض كما أناخ النبي ناقته .
بعد ذلك قال النبي إلى جابر :”أعطني هذه العصا من يدك” ، فقام جابر بإعطاء الرسول صلّ الله عليه وسلم العصا التي كانت بيده ، فنخس الرسول الجمل بتلك العصا بعض النخسات ، ثم أمر جابر قائلًا :”اركب” ، وبالفعل ركب جابر الجمل وكانت المفاجأة الكبيرة في انتظاره ، حيث أن جمله الضعيف أصبح بإمكانه سباق ناقة رسول الله صلّ الله عليه وسلم .
أصبح الجمل وكأنه لم يكن مريضًا منذ لحظات مع جابر ، وحينها قال رسول الله صلّ الله عليه وسلم :”أتبيعني جملك هذا يا جابر؟” ، فأجاب جابر :”بل أهبه لك يا رسول الله ، ولا أبيعه فهو هبة وهدية” ، فقال الرسول الكريم :”لا ، ولكن بعنيه ” ، في ذلك الوقت قال جابر :”سمه وقل ثمنه يا رسول الله” ، فقال النبي :”بدرهم” ، ولكن جابر ردّ بقوله :”لا يا رسول الله ، لا أرضى بهذا السعر” ، فقال الرسول إليه :”بدرهمين” ، فأجابه جابر قائلًا :”لا يا رسول الله”.
استمر الرسول صلّ الله عليه وسلم هكذا يرفع في سعر بعير جابر الذي كان يرفض كلما زاد رسول الله في السعر ، حتى وصل سعر البعير إلى أوقية كاملة وهو ما يعني أنها دراهم كثيرة ، حينها قال جابر إلى النبي :”أفقد رضيت يا رسول الله؟” ، فأجابه الرسول الكريم :”نعم” ، فتحدث جابر قائلًا :”فهو لك” ، ثم أصبح جابر بن عبدالله ذاهبًا ومعه البعير إلى باب رسول الله .
ذهب جابر فيما بعد إلى مسجد قريب من بيت الرسول ، وحينما خرج النبي وذهب إلى بيته وجد البعير مام الدار ، فسأل :”ما هذا؟” ، فأجابه الناس :”هذا جمل جاء به جابر ” ، فقام النبي بالسؤال عن جابر حتى دعاه بعض المسلمين ليذهب إلى النبي ، وحينما ذهب قال له النبي :”يا ابن أخي ؛ خذ جملك” .
ثم دعا الرسول الكريم بلال حيث قال له :”اعط جابر أوقية” ، ثم ذهب جابر مع بلال وأخذ الكثير من الدراهم كثمنًا للبعير الذي تركه له رسول الله صلّ الله عليه وسلم ، وكان ذلك موقفًا من مواقفه العديدة التي تبين حُسن خُلقه عليه أفضل الصلاة والسلام .