طلّق عتيبة بن أبو لهب ابنة رسول الله السيدة أم كلثوم ، عقب مرور شهر واحد من إعلان رسالته ، ذهب عتيبة إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ، وقال له أنه قد كفر بدينه الذي أعلن عنه وأنه قد فارق ابنته ، وأخبره أنه لا يحبه ثم دنا من رسول الله الكريم ، وجذب قميصه فنزعه ، فقال له رسول الله اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك ، فصمت عتيبة ، وقال له أبو طالب وقد كان متواجدًا آنذاك ، أنه كان في غنى عن هذه الدعوة .
عادت أم كلثوم إلى دار أبيها الكريم ، صلّ الله عليه وسلم ، وكانت يوميًا تستقبله في أصعب لحظات حياتها ، حيث تجد آثار المعركة وقد تركت على جسده ندوبًا كثيرة ، وعلى ثيابه الطاهرة ما تركه كفار قريش من قاذورات.
وذات يوم ، دخل نبي الله الكريم بيته وقد غطاه التراب الذي نثره أحد المشركين على رأسه ، فأخذت أم كلثوم تزيله عن رأس أبيها وهي تبكي ، فقال له النبي الكريم لا تبكين يا أم كلثوم ، فإن الله مانع أباك.
وعانت أم كلثوم مثلما عانى غيرها من المسلمين من شدة الجوع ، نتيجة الحصار الذي كانت قد فرضته قريش على المسلمين بها ، حتى أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ، قال عن تلك الفترة أنه من شدة جوعه ، وطئت قدميه على شيء رطب ، فقام بوضعه في فمه وابتلعه دون أن يعرف ما هو هذا الشيء قط.
كانت أيام صعبة على أم كلثوم ، حيث حملت فيها هم أمها وأبيها ، وأختها الصغيرة فاطمة ، حيث كانت رقية آنذاك في الحبشة وزينب في بيت زوجها ، أمام هي فقد كانت تتأمل أمها بحزن بالغ ، حيث مرضت وتقدمت بها السن إلى أن فارقت أمها السيدة خديجة الحياة في أحضانها.
وعصف بها الحزن من كافة الأنحاء ، فقد شهدت أبيها وهو يهيل التراب فوق أمها بنفسه ثم يعود إلى داره محزونًا متألمًا من الفارق ، وكأنه يختبر مشاعر يتمه من جديد ، بعدها هاجر النبي صلّ الله عليه وسلم ، وظلت أم كلثوم قابعة مع شقيقتها فاطمة في مكة ، إلى أن أرسل زيد بن حارثة ليأتيه بهما.
وعندما وصلت أم كلثوم إلى المدينة ، عادت إليها روحها من جديد خاصة مع اجتماع شملها برفقة أبيها وأختها رقية التي أتت من الحبشة ، وقد كان اللقاء موجعًا بقدر فرحة اجتماع الشمل مرة أخرى ، حيث رحلت أمهما ، ولم تلبث رقية أن لحقت بالسيدة خديجة رضي الله عنها.
وعقب وفاة السيدة رقية رضي الله عنها ، حزن سيدنا عثمان بن عفان عليها حزنًا بالغًا ، وظل يبكيها بشكل دائم ، أما عمر رضي الله عنه فقد آلمه كثيرًا وفاة زوج ابنته حفصة ، وهو حصن بن حذافة .
ففكر في جمع الشتيتين حتى يداري جراحهما ، ولكن سيدنا عثمان رفض الأمر ، فثار عمر رضي الله عنه وذهب للرسول عليه الصلاة والسلام ، شاكيًا مما فعل عثمان بن عفان ، فقال له النبي الكريم يتزوج عثمان ممن هي خير من حفصة ، وتتزوج حفصة ممن هي خير من عثمان .
وبالفعل تزوج سيدنا عثمان بن عفان من أم كلثوم ، عقب أن قال له النبي لو أن لدي مائة ابنة ، ومتن واحدة تلو الأخرى ، لنكحتك إياهم تباعًا ، كانت أم كلثوم تتابع ما يفعل زوجها لخدمة المسلمين ، فقد كان لا يدخر مالاً لخدمتهم .
حيث اشترى لهم بئرًا من أحد اليهود الذي حجبها عنهم ، وقام بتجهيز جيش المسلمين من نفقته الخاصة ، وكانت لا تستطيع أن تقاوم دموعها عندما تجد أباها يملي على زوجها ما يأتيه من وحي .
تزوج سيدنا عثمان مرتين ولكنه لم يتزوج بمن هي خير من أم كلثوم ، وتزوجت حفصة من هو خير من سيدنا عثمان ، تزوجت النبي الكريم نفسه عليه الصلاة والسلام ، وعندما جذب عتيبة النبي من قميصه فنزعه ، انطلق بعدها بأيام قليلة صوب الشام تاجرًا ، وعندما وصل الركب إلى مشارف الشام ، وافترشوا مكانًا للنوم ، استجاب الله دعوة نبيه الكريم في تلك البقعة.
اقترب أحد الكلاب من أفراد الركب وتركهم جميعًا ، واتجه مباشرة إلى عتيبة ، الذي ما أن رآه حتى تذكر دعوة النبي ، فقال أيقتلني محمد وهو في مكة وأنا في الشام ؟ وكان هذا آخر ما قاله.
وعن وفاة أم كلثوم ، قيل أن النبي الكريم قد جلس إلى جوار غرفة الغسل ، وأشار على من تغسلنها بأن يبدأن بميامينها وأن يغسلنها بشيء من الكافور ، وما أن فرغن حتى مد يده الكريمة بالكفن الذي كان يحمله ، ثم واراها الثرى إلى جوار شقيقتها رقية ، ثم وقف بين دموعه يحمد الله عزوجل على ما أعطى وما أخذ .