قال النبي الكريم ، من يذهب بكتابي هذا إلى مصر ، فقال حاطب بن بلتعة أنا يا رسول الله ، فكان حاطب هو أول مسلم تطأ قدماه مصر ، وعرض الرسالة على مقوقس مصر ولكن الأخير رفض أن يتنازل عن عرشه وملكه ، وبعث للنبي بجاريتين كهدية هما ماريا وسيرين شقيقتها ، وبعضُ من عسل.
وفي الطريق لمح حاطب رهبة على وجه ماريا رضي الله عنها ، وسألته عن السيد الذي هم ذاهبون إليه ، فحدّثها حاطب عن النبي والإسلام ، فانشرح صدرها وأسلمت قبل أن تغادر مصر .
وكانت السيدة ماريا قد ولدت وعاشت طفولتها في قرية حفن في محافظة المنيا بمصر ، وعندما تنازل حفيد النبي –الحسن بن الإمام علي رضي الله عنه- عن الخلافة لمعاوية ، كان من بين شروطه أن يعفي قرية حفن من الخراج ، تكريمًا للسيدة ماريا وعملاً بوصية النبي الكريم ، عندما قال إذا ماكلتم القبط فأحسنوا إليهم ، فإن لهم ذمة وإن لهم رحمًا.
بعد ذلك ذهب الصحابي الجليل عبادة بن الصامت يبحث عن تلك القرية تحيدًا ، وما أن وجدها حتى بنى فيها مسجدًا ، ومن يومها عُرفت القرية باسم قرية الشيخ عبادة ، يوم مات إبراهيم ابن النبي الكريم صلّ اله عليه وسلم ، من زوجته ماريا القبطية رضي الله عنها ، كان يبلغ من العمر أقل من عامين فقط ، وفي هذا اليوم كُسفت الشمس ، فما كان من المسلمين آنذاك سوى أن قالوا ؛ كُسفت الشمس لموت ابن النبي ، فقال النبي صل الله عليه وسلم الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته.
وبكي النبي الكريم ، بكى كما لم يبكِ من قبل ، ليعلمنا أن البكاء على الراحلين رحمة من المولى عزوجل ، وقد قال له عبدالرحمن بن عوف أو سيدنا أبو بكر الصديق ، أن المولى عزوجل قد نهانا عن البكاء ، فقال النبي أن الله سبحانه وتعالى قد نهانا عن النياحة ونعت الميت بما ليس فيه.
بكي النبي فقيده ، وقال أن البكاء رحمة ومن لا يرحم لا يُرحم ، وكان إبراهيم قد أسلم روحه لبارئها وهو في حجر أبيه ، فقال له النبي صلّ الله عليه وسلم ، يا إبراهيم لولا أنه أمر الحق ، لكنا حزنا عليك حزنًا أشد من هذا ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ، تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يسخط الرب .
وصلت السيدة ماريا رضي الله عنها إلى المدينة قادمة من مصر ، برفقة أختها سيرين فاختار النبي الكريم ماريا ، ووهب أختها إلى حسان بن ثابت شاعر الرسول ، أسكنها النبي الكريم في منزل قريب منه ، وكانت جارة للسيدة عائشة رضي الله عنها ، وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها ، أنها ما كانت تغار قط أكثر مما غارت من السيدة ماريا ، فقد كانت جميلة الطلعة صبوح الوجه ، وكان سيدنا النبي يزورها كثيرًا ، حتى شكت السيدة عائشة فما كان من النبي سوى أن نقلها إلى منطقة تسمى العالية ، ولم يتوانى عن زيارتها كثيرًا.
كان بين السيدة ماريا والسيدة خديجة رضي الله عنهما عشرة زوجات ، لم يهبن لسيدنا النبي الكريم ولدًا ، لذلك اختصها النبي بمحبة خاصة أثارت نوعًا من الغيرة في نفوس زوجاته.
كان للرسول الكريم ناقة وقطعة غنم ، فكانت ماريا رضي الله عنها تشرب من ألبانها وتسقي وليدها ، وفي أحد الأيام اصطحب النبي ابنه لزيارة السيدة عائشة وسألها أن تنظر إلى جماله ، فتساءلت أي جمال ! فقال لها النبي ألا ترين بياضه ولحمه ، فقالت من تربى على ألبان النياق والضأن سمن وابيض لحمه.
كادت عائشة رضي الله عنها تكاد أن تبكي من شدة القهر ، فخرج النبي مع ولده وسأل الله أن يهون عليها ما هي فيه ، وكان إبراهيم يذهب الحزن من قلب أبيه بابتسامته ، التي تنسيه فقدان أولاده وليخفف الله بابتسامة إبراهيم عن روح النبي صلّ الله عليه وسلم ، حيث كان قد فقد أبنائه زينب ورقية وأم كلثوم ، وعبدالله والقاسم ، لذا مع وفاة إبراهيم بكاه النبي كما لم يبك أحد من قبل .