يعينكم الله دائمًا أبدًا على قدر تقواكم وعلى قدر صبركم ، وعلى مقدار الإيمان الكامن في قلوبكم ، وعلى مقدار صدقكم العهد مع الله في الصفقة المعقودة بينكم وبين المولى عزوجل.
إذاً ، فالمؤمن القوي هو الذي يستطيع ويقدر أن يحدد مقدار معونة الله عزوجل له ، فإن أراد أن يأتيه الله بمعونة قوية ، فعليه أولاً أن يقبل على الله بتقوى قوية ، وإيمان أكبر وأعمق من مجرد مظاهر خارجية ؛ ذلك أن القوة العددية حين تلقى القوة الإيمانية وقدرها ، فلا يمكن أن تصمد أمامها أو تثبت معها أبدًا.
ولعل تاريخ الإسلام منذ باديته ، قد ذخر بمثل تلك الروايات التي تقص علينا قوة ثبات الإيمان والتقوى وحسن الظن بالله ، أمام الكثير من القوى العددية المختلفة ، فقد ابتدأت الحرب الإسلامية الإيمانية في بدر ، حيث كان عدد المسلمين أقل ، وكانت عدتهم ضعيفة العدد والقوة ، في حين كان معسكر الكفار في مقابلهم لا يمكن عدّه هو وعتاده.
ألف في مقابل ثلاثمائة وكذا ، والعدد الكبير أمام القليل ، ووفرة العدة والعتاد أمام الضعف فيهما ، ولكن الله أراد أن يستهل المعركة بمعركة الإيمان أولاً ، استهلالاً يثبت الإيمان في قلوب المسلمين ونفوسهم أولاً ، فعلمهم المولى عزوجل ألا يستهينوا بقلتهم أبدًا في مواجهة أعدائهم ، لأنهم غير معزولين عن الله ، وإنما موصولون بالله.
ثم بعد أن ثبت الإيمان في قلوبهم ونفوسهم ، أتى واقع المعركة ليحقق عددًا من المبادئ التي يجب أن ننتبه لها ؛ فعلي سبيل المثال ، كان سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، يقاتل في صف رسول الله الكريم صلّ الله عليه وسلم ، وكان ابن أبي بكر يقاتل في صف الكفار قبل أن يدخل إلى الإسلام .
ولكن بعد أن آمن ابن أبي بكر ، كان يتحدث إلى والده فقال له أنه قد أشاح بوجهه بعيدًا عنه عندما رآه في أرض المعركة حينذاك ، أي أنه كان من الممكن أن يقتله ولكنه صرف وجهه عنه ، فقال له أبوه سيدنا أبو بكر رضي الله عنه ؛ بأنه إذا كان كان رآه في ساحة المعركة ، لكان قتله.
وفي هذا الحديث موقفان قد ظهرا من خلاله ؛ فالأول هو موقف يمثل أن الحق لا مجاملة فيه ، والثاني هو أن الباطل حين يلقى الحق فيتخاذل ، فنجد هنا أن حديث أبي بكر رضي الله عنه ، هو منطقي جدًا مع عقيدته وإيمانه القوي ، بالإضافة إلى منطقية حديث ابنه أيضًا مع عقيدته وما يؤمن به ؛ ذلك لأن ابن أبي بكر رضي الله عنه حين يلق أباه ، فوالده له حق عنده ، وهو حق الأبوة وهو ليس على دين يغار عليه.
فحين يقاتل ابن أبي بكر ، فإنه سوف يقاتل أباه من أجل ماذا ؟ فهو لا يقاتل من أجل عقيدة حقه ، تجعله يدافع عنها حتى وإن قتل أبيه ، ولكنه وجد أن ما يدافع عنه باطلاً وأن أبيه له حق أفضل من لاحق يقف هو في صفه .
بينما وجد سيدنا أبو بكر رضي الله عنه ، أنه يقف في صف الحق الإيماني ، وأن ابنه لا يغني عنه من الله شيئًا ، فعندما قارن حق ابنه عليه وحق الله عزوجل ، فآثر أن يكون في صف الله ومع الحق ، لذلك قال لابنه أنه إذا كان قد رآه لقتله .
وتلك هي عقيدة الله الإيمانية ، فحين تقاتل من أجل كلمة الله ، يجب عليك ألا يستقر في داخلك سوى كلمة الله فقط ، ولا تحتسب معها أية أنساب أو أحساب ولا صلات ؛ لأن صلة الإنسان بربه هي الأولى والأبقى دون من خلق الله .