يعد الإمام الحافظ بن حجر العسقلاني من أهم علماء الشافعية المحدثين ، حتى أنه لقب بالحافظ لقدرته الفائقة على حفظ أحاديث رسول الله صلّ الله عليه وسلم .
نسبه ونشأته:
هو شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن محمود بن أحمد بن حجر الكناني العسقلاني ، وقد كان أبوه تاجرًا ثريًا وأديبًا وقد هاجر إلى مصر من مدينة عسقلان واستقر فيها وأنجب ابنه الحافظ بن حجر العسقلاني هناك عام 773 هجرية ، ولكنه سرعان ما توفي وترك ابنه يتيمًا .
وقد كفله بعد وفاة والده أحد أقرباؤه ويدعى زكي الدين الخروبي ، وكان من كبار التجار بمصر ، وقد اهتم بتعليمه وتربيته فأدخله الكُتاب وهو في الخامسة من عمره ، وقد أبدى ابن حجر سرعة حفظ وفهم حيث أنه أتم حفظ سورة مريم في يوم واحد ، وقد حفظ القرآن الكريم كاملًا وهو في التاسعة من عمره على يد الشيخ صدر الدين السفطي .
بعد ذلك ذهب مع زكي الدين الخروبي إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وهو في الثانية عشر من عمره ، وقد صلى بالنس إمامًا في صلاة التراويح بمكة ، كما درس بمكة على يد الشيوخ عبدالله النشاوري والشيخ جمال الدين بن ظهيرة علم الحديث وصحيح البخاري .
بعد عام تقريبًا عاد إلى مصر وبدأ في حفظ الكتب الفقهية مثل عمدة الأحكام للمقدسي وألفية العراقي في الحديث والحاوي الصغير للقزويني ، وقد كان يحفظ الكتب مع التأمل فيها وتدبر معانيها .
وظل الإمام الحافظ بن حجر في رعاية زكي الدين الخروبي حتى توفاه الله عام 787هـ ، ثم انتقلت رعايته بعد ذلك إلى الشيخ شمس الدين بن القطان المصري ، وقد تعلم منه الفقه واللغة العربية وعلم الحساب ، وحين بلغ العشرين من عمره بدأ في دراسة الأدب ، وقد قام بنظم الشعر والمدائح النبوية .
ثم تخصص بعد ذلك في علم الحديث ، فأخذ يلازم الشيخ أبا الفضل العراقي لمدة عشرة سنوات حتى تمكن من علم الحديث .
وقد سافر في رحلات عديدة لطلب العلم حيث سافر لمدينة قوص في صعيد مصر ، ثم الإسكندرية وقد قابل مجموعة من المحدثين منهم ابن شافع الأزدي والشمس الجزري وابن الخراط ، وقد جمع ما سمعه منهم في كتاب اسمه الضرر المضيئة من فوائد الإسكندرية .
كما سافر أيضًا إلى اليمن وبلاد الشام ، ومكة المكرمة مرة أخرى ، ليقابل المحدثين ويجمع عنهم الأحاديث ومنهم قاضي مكة المحب بن ظهيرة ، والشيخ الفيروز آبادي في اليمن .
أعماله :
عمل ابن حجر بعدة أعمال منها الإفتاء والخطابة فقد تولى إفتاء دار العدل عام 811هـ وظل في هذه العمل حتى وفاته ، وقد كان يهتم بكتابة فتاويه ، فكان يكتب في اليوم حوالي ثلاثين فتوى ، كما تولى أيضًا مهمة الخطابة بالجامع الأزهر الشريف عام 819هـ ، ثم تولى الخطابة عمرو بن العاص ، كما أنه عين قاضيًا من قبل الملك الأشرف برسباي عام 827هـ ، ولكنه ترك هذا المنصب في نفس العام لما وجد صعوبة في القيام بالعدل على أكمل وجه .
من أشعاره :
وإذا الديار تنكرت سافرت في طلب المعارف هاجرا لدياري
وإذا أقمت فمؤنسي كتبي فلا أنفك في الحالين من أسفاري
ومن أشعاره في المديح النبوي :
إن كنت تنكر حباً زادني كلفا حسبي الذي قد جرى من مدمع وكفى
وإن تشككت فسئل عاذلي شجـني كم بت أشكو الأسى والبث والأسفا
كدرت عيشاً تقضى في بعادكم وراق مـني نسيب فيكمو وصفا
سرتم وخلفتمو في الحي ميت هوى لولا رجـاء تلاقيكم لقد تلفا
وفاته :
توفي الإمام بن حجر عام 852 هـ ، وقد تم دفنه بمصر بمقابر الإمام الشافعي ، وقد حضر جنازته السلطان الظاهر جقمق ، وقد ألف تلميذه السخاوي كتاب عنه أسماه الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام بن حجر .