هي قصة من أعظم القصص لرجل كان في بداية حياته صالحاً ، يترنم بالتوراة ترنماً ، وهذا الرجل من قوم سيدنا موسى عليه السلام ، لكنه تجبر وطغى وبغي عليهم ، فقد رزقه الله مالاً كثيراً ، فتكبر على قومه ، وأضاع حق الله في ماله إنه قارون الطاغية .
قال الله تعالى في كتابه العزيز : { إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} سورة القصص ، الآيات 76-83
لقد منح الله سبحانه وتعالى ، قارون هذا من الذهب والفضة والمعادن والكنوز ما لم يؤتى لغيره من قبل ، فقد كانت مفاتيح كنوزه لا يقدر على حملها عشرة أفراد ، وكان لديه قصر عظيم ، ولديه من الخدم والحرس الكثير والكثير ، ولكنه ورغم كل ما امتلك من خير ، لم ينفق شيئًا في سبيل الله ، ولم يعطي للفقراء حقهم في ماله ، وقال أنا من جمعت هذا المال وهو لي .
فأتاه الصالحين من قومه وحذروه ، أن هذا مال الله ، وكما أعطاه من الممكن أن يسلبه ، وحذروه من الغرور والكبر ، والفرح بنفسه وبماله لأن الله لا يحب الفرحين ، وذكروه بالأمم التي أهلكها الله ، وطلبوا منه أن ينفق من ماله شيئًا لله ، ويتمتع بما بقي منه ، ولكن غشاوة القلب أغرقت قارون ، ولم يستمع ، ولم يستجب .
كان يخرج بزينته وأمواله وكنوزه إلى الناس ليفتخر بها أمامهم ويتكبر عليهم ، فيلبس أحسن الثياب ، وأجمل الحلي ، ويخرج في حاشيته ليراه الناس ، ويتحسروا على فقرهم ، وحالهم ، ويتمنون لو كانوا أوفر حظاً .
وانقسم الناس من حوله إلى قسمين : قسم تعلق قلبه بالحياة الدنيا ، أخذ يحسد قارون على حظه العظيم ، ويتمنى ما عند قارون ، قصر قارون ، كنوز قارون ، حراس قارون ، وزينة قارون ، أما القسم الثاني فهم أهل العلم الذين تعلقت قلوبهم بالآخرة ، فلم يفتنوا في ملك قارون ، وأخذوا يحذرون غيرهم مما هم فيه ، ويذكرونهم بثواب الله العظيم ، وأن الآخرة أفضل من الدنيا بجمالها وفتنتها .
وفي أحد الأيام خرج قارون في زينته بين قومه ، ومعه كنوزه وأمواله ، كعادته التي اعتاد عليها ؛ ليجعلهم يندبون حظهم ، ويشعر هو بخيلائه وغروره ، ولكن فجأة جاء وعد الله وعقابه ، وحانت لحظة العذاب .
اهتزت الأرض من تحت قارون ، والجميع أخذ يهرب ، الحرس يهربون ، الخدم يفرون ، الناس ينفضون من حوله ، الكل ينجى بنفسه من هول ما يحدث ، ولكن قارون ظل واقفا يريد كنوزه التى عاش يفخر بها ، ينادى حراسه لا أحد يجيب ، ينادي خدمه لا أحد يجيب ؛ فقد نزل أمر الله عز وجل .
انشقت الأرض بقارون وخسف الله به وبقصره الأرض ، فهي جند من جنود الله أمرها الله أن تدفن قارون بجبروته ، وسلطانه ، وماله في ثراها ففعلت ، وتعجب الناس من هول الفاجعة ، وأخذوا يحمدون الله على ما هم به ، ويقولون الحمد لله أنه لم يعطنا مثل ما أعطى هارون ؛ حتى لا نكون من الهالكين .
عرف الناس بعدها أن كل هذا زائل ، المال زائل ، والملك زائل ، ولا تبقى إلا طاعة الإنسان وعمله ، فالمال فتنة لأصحابه ، وقد كرم الله سبحانه وتعالى الفقراء المؤمنون ، وجعلهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة سنة ، فالمؤمن الفقير عند الله أفضل من المؤمن الغني.